ماهو الوعي وأين يقع ؟

ماهو الوعي وأين يقع ؟

نبذة ومقدمة عن الوعي

في البداية علينا أن نفرق بين الإدراك المعرفي وموضوعنا الرئيسي هنا عن الوعي الشعوري الحسي ( اليقظة ) , والذي
سنذكره بالتفصيل ولمحة من الإدراك المعرفي

في الآونة الأخيرة توجه الكثير من العلماء والفلاسفة والمفكرين والباحثين للتحدث عن مايعرف بحالة الإدراك , وبذلت
الكثير من الجهود للوصول إلى تعريف قيم ومفيد بعيدا عن الضبابية أو الإلتفاف 

فمثلا العالم ( ستيوارت ساذرلاند ) أعرب عن موقف متشكك أكثر من مجرد تعريف للوعي , حيث ذكر أنه ليكون المرء
واعي , يكفي أن يكون على دراية بالعالم الخارجي , وأضاف :  الوعي ظاهرة مذهلة لكنها بعيدة , أي من المستحيل أن
نحدد ماهيته أو عمله أو سبب تطوره 

نجد أن تعريف متحيز كتعريف ( ساذرلاند ) يمكن أن يؤثر بشكل كبير على إفتراضيات الباحثين وإتجاهات عملهم , أمثال
( ديكارت ولوك ) كما الفلاسفة والعلماء الغربييين , الذين بحثوا وتفحصوا من أجل فهم طبيعة الإدراك وعلى أي صورة
يتناسب مع العالم

ومن ثم توصلوا إلى بعض التساؤلات فيما إذا كان الوعي يماثل المادة الفيزيائية  , وبعد دراسة حددت بدقة , وجدوا شبكة
من ثلاث مناطق محددة في الدماغ تبدو حاسمة بالنسبة له

هل الوعي أصله مادي وبيولوجي ؟ وأين يقع بالذات ؟

نشر البحث في نوفمبر 2016 , وقد يكون هذا البحث كبيرا لفهمنا لما يعنيه أن تكون إنسانا , ويمكن أن يساعد الباحثين
أيضا في العثور على علاجات للمرضى المتضررين في وعيهم , مثل الحالات الإنباتية 

قال الباحث الرئيسي مايكل فوكس من مركز Beth israel deaconess  الطبي في كلية الطب بجامعة هارفرد في
عام 2016 

” لأول مرة وجدنا صلة بين منطقة جذع الدماغ المرتبطة بالإثارة والمناطق المشاركة في الوعي , وهما شرطان
أساسيان لتكوينه ”

تجتمع الكثير من الأدلة للإشارة إلى أن هذه الشبكة تلعب دورا في التيقظ  , وأظهر الباحثون بالفعل أن الإستثارة ينظمها
على الأرجح جذع الدماغ – الجزء من الدماغ الذي يرتبط بالحبل الشوكي 


وهو إحد أقدم الأجزاء البيولوجية الوظيفية الموجودة لدى الإنسان والتي توارثها من أسلافه القدماء طوال ملايين السنين
من التطور , بخلاف قشرة الدماغ الأحدث 

حيث يرى أنه ينظم عملية النوم والإستيقاظ ومعدل ضربات القلب والتنفس 

الإصابات أو الرضوض والتلف الحاصل لهذه المنطقة غالبا ماتكون مميتة وتؤدي لضرر جسيم , فالمرضى في الحالات
الإنباتية والميتون دماغيا لاحظ الأطباء بأن لديهم مستويات متفاوتة من تلف جذع الدماغ 

في أعماق اللاشعور
في أعماق اللاشعور

وحدد فريق هارفرد ليس فقط منطقة جذع الدماغ الحيوية ولكن أيضا منطقتين من القشرة الدماغية , يبدو أنها تعمل معا
لتكوين الوعي

الآن بعد معرفتنا بأنه موجود في مكان ما من القشرة ( الطبقة الخارجية للدماغ ) ستتدفق لك الكثير من الإستفسارات  

مالفرق بين الوعي واللاوعي ؟

هل تتذكر موقفا غضبت فيه بشدة من شخص ما , لدرجة أنك لم تكن تعي ماتقول , وقد أذيته كثيرا بكلامك ؟

في هذه الأحوال لم يكن وعيك حاضرا كي يجعلك تفكر بإتزان وحكمة وتتحكم في ردة فعلك , بل إنه في هذه الأحوال
يتولى عقلك اللاواعي المسؤولية ويحدث مالا تحمد عقباه 


لذا أهمية وجود الوعي في هذه اللحظات أن تتحكم في ردود أفعالك وتصرفاتك , ألا تدع الفرصة لعقلك اللاواعي في
التصرف بما لاترغب به 

اللاوعي :

يمكن القول أن اللاوعي هو العقل الباطن , الذي يكون مصدر الأحلام والأفكار التلقائية , تلك التي تظهر دون سبب واضح
لظهورها , أو مخزن الذكريات المنسية التي لاتزال في متناول الوعي في وقت لاحق , أشياء تعلمناها جيدا بحيث نقوم بها
بدون تفكير تصنف ضمن اللاوعي 

أيضا تشمل بعض الظواهر المرتبطة بالوعي واللاوعي مثل ( شبه اليقظة , الذاكرة الضمنية , التنويم المغناطيسي )  في
حين أن ( النوم , الحلم , الهذيان , الغيبوبة ) قد تشير إلى وجود عمليات غير واعية 

فإن هذه العمليات تعد أعراضا وليست عقلا فاقدا لإدراك ذاته , وقد شكك بعض النقاد في وجود اللاوعي أساسا

الوعي :

يشار إلى أن الوعي هو التجربة الأولية للشيء , مثل تحريك الأشياء والرؤية للوسط والإحساس بالأصوات وأيضا الأحاسيس
والعواطف والمشاعر في جسم الإنسان 

ومن ناحية أخرى يمكن أن يعد ظاهرة يكمن من خلالها الوصول إلى المعلومات في ذهن الأفراد من أجل الإبلاغ الشفهي
عنها والمنطق أيضا , والسيطرة على السلوك 


ومن هذا المنطلق يمكن تصنيف الوعي إلى أربعة أنواع :

1- الوعي العفوي التلقائي :

هو ذلك النوع الذي لايتطلب مجهودا ذهنيا كبيرا عند قيامنا بنشاط ما , بحيث لايمنعنا من مزاولة أنشطة ذهنية أخرى

2- الوعي التأملي :

على عكس الأول , فهذا يتطلب حضورا ذهنيا يرتكز على قدرات عقلية عليا , كالذكاء والذاكرة , ومن ثم فإنه يمنعنا من أن
نزاول أي نشاط آخر مشترك معه 

3- الوعي الحدسي :

هو الوعي المباشر الفجائي , الذي يجعلنا ندرك أشياء , علاقات , أو معرفة حول موضوع ما , دون أن نكون قادرين على
إستحضار أي دليل 

4- الوعي المعياري الأخلاقي :

هو مايجعلنا نقيم الأشياء والسلوكيات , فنرفضها أو نقبل بها ! بناءا على تعليمات أخلاقية 

الإدراك من المنظور الفلسفي ؟

ذكر ( نيتشه ) أن الإنسان بإمكانه العيش بإستقلالية تامة عن الإدراك , فهو بإمكانه خوض تجارب حياته وإستخلاص

ذاته , بالتعبير عنها بكلمات ما 


فتتلخص نظريته حول ذلك , بأنه لما كان الإنسان يعيش حياته البشرية المعرضة للهلاك , أضطر أن يعبر عن نفسه
بكلمات و ومن ثم يكون نمو اللغة ونمو الوعس متلازمين , وهكذا بنظره أختلق الإنسان لنفسه أوهاما تؤطر حياته كـ
( الواجبات والمسؤوليات .. إلخ )


* أما فرويد فذكر أن الحياة الإنسانية أشبه بجبل جليد , ومن ثم سنخطئ كثيرا إذا نسبنا كل سلوكياتنا إلى الوعي 
ويمكن للا شعور أو للاوعي أن يسيطر على بعض سلوكياتنا المرضية والشاذة أو المنحرفة 

ومن هنا نصل إلى صورة جبل الجليد التي تصورها فرويد 

هل الوعي يقتصر على وجوده بالإنسان ؟ أم يتشعب ليشمل جميع الكائنات الحية ؟

صورة قوقعة تتحرك

بالتأكيد تملك كل الكائنات الحية درجات مختلفة من الإدراك والتيقظ , بما يتناسب مع تركيبها العضوي وحجم دماغها
وتعقيده البيولوجي 


أوجدت دراسات علمية أن الطيور تمتلك من الوعي والإدراك أكثر مما كنا نتصور , وأظهرت دراستان نشرتا مؤخرا
أن الطيور تمتلك القدرة على التفكير وأن أدمغتها تعمل بطريقة تشبه أدمغة الثديات , وهو مايمكن أن يثير المزيد من
الجدل في الأوساط العلمية حول مسألة التوعي الحيواني 

من إحدى الدراسات هي الدراسة التي أجراها فريق قسم فسيولوجيا الحيوان , بمعهد علم الأعصاب بجامعة

  Tubingen university  االألمانية  , تحت إشراف الدكتور ( أندرياس نيدر ) الذي صرح وقال :

” لاتمتلك الغرابيات إدراكا ذاتيا للمحفزات البصرية فحسب , بل يمكنها أيضا أن تخزن تلك التجارب وتتذكرها وهو
مايعتبر أحد سمات الوعي الحسي 

في الآونة الأخيرة أصبح الوعي موضوعا هاما للبحوث المتعددة التخصصات , مثل مجالات علم النفس 
و العلوم العصبية , كما شارك الطب في تقسيم التيقظ من خلال إستشارة المريض وإستجابته لسلسلة
متكاملة , تبدأ من اليقظة والإدراك الكاملين لتمر عبر فقدان الإستجابة الحركية للمحفزات المؤلمة , لتصل السلسلة
في النهاية لحالات الأمراض الشديدة أو الغيبوبة أو حالات التخدير كذلك 

الأطباء يعتمدون بذلك على مقاييس موحدة لقياس التيقظ ( كمقياس غلاسكو للغيبوبة )

في النهاية يجب ذكر أن أدمغة البشر معقدة بشكل يصعب فهمها بشكل تام , وأن الدماغ البشري متقدم بكل مايتعلق
به من عمليات حيوية وأنشطة 

وماتوصل العلماء إلى معرفته خلال مئات السنين والآف التجارب , ماهو إلا نقطة في بحر واسع من العلم 

نرجو أن نكون قد أنرنا وعيك بمعرفته , وساعدناك في التحكم بوعيك وأفعالك .

نهاية المقالة


المصدر :

scientificamerican

اترك رد