محكمة الحياة : محاكمة عاجلة لمدمر حياته

اعتاد أن يلقي باللوم في محكمة الحياة ويوجه أصابع الاتهام إلى الظروف والظلم وعدم العدالة والقهر وعدم التقدير
كما غيرها من المبررات التي يرضي بها ذاته الآثمة كمتهم رئيسي في تدمير حياته
أربعيني يمشي منكسرا منحنيا، يجلس وحيدا، يطفئ أنوار غرفته ليقبع في عزلته كل يوم، موجه كل لومه للظروف
لا يدري أنه هو من يجب أن يلام.
ظل هائما في أحزانه إلى أن غرق في نومه ليجد فكره يقرع معلنا بدء المحاكمة , ووجد نفسه خلف الأسوار يحاكم
بجريمة قتل ذاته
العادات السيئة في محكمة الحياة
من شهود الإثبات يقف عمله وطموحه متحفزين لينطقوا بشهادة يوضحون فيها كيف دمرهم بعاداته السيئة
وهي :
الحديث السلبي مع الذات
كان هذا أول عاداته السيئة التي دمرت حياته
يستيقظ منكسرا مهزوما من الداخل يلكم ذاته بأكثر الكلمات وحشية ماذا تفعلين فمهما تقومين به محكوم عليه
بالفشل، لست الأفضل وجميع محاولاتك لا ترى ولا تقدر لا يحبك أحد يحتاجونك فقط لحمل أثقالهم يعلمون
أنك ستفعلين كل ما تؤمرين به لتسلميهم شعلة النجاح وتدفنين خلف أستار الظلام
هكذا يوميا كان يلقن عقله الباطن رسائل سلبية يبرمجه على الفشل وتقبل روح الهزيمة ليتوج بكل بساطة ملكا
للبائسين
المماطلة في تحقيق الأهداف
يقرأ الكتب ويتعلم كيف يكتب أهدافا ذكية تعلم كيف يخطها بشكل يضمن أن تكون محددة قابلة للقياس وقابلة
للتحقق واقعية ولها إطار زمني واضح يكتبها بيديه بكل دقة وفقا للقواعد ويذهب لينام دون مبالاة آفته التسويف
سأفعل متى أجد الوقت سأفعل متى يتوفر المال سأقوم بذلك فور أن تتحسن صحتي، ولكنه لا يبادر، لا يهم لينجز
أي هدف مما كتب ليطور ذاته , وهكذا يدمر حياته بمماطلته التي لا تنتهي.
الاهتمام بأحكام الناس
قبل أن يقوم بأي عمل كان يفكر مائة مرة كيف سيراه الآخرون
هل سيحبونه أم يكرهونه هل سيصبح معطاء في نظرهم أم بخيل
ودود ولطيف أم سيرونه منافق لو أراد أن يرتدي شيئا غير أصلي هل سيتنمرون على مستواه المادي أم سيبتعدون
عنه كونه دون مستواهم.
إنه يلهث يوميا مدمر لحياته وصحته الجسدية والنفسية ليعمل أضعاف ما يحتمل كي يحصل على المزيد من المال
ليرضي أناس مراؤون.
لم يحضر منهم أحد لمساندته في هذه المحاكمة العادلة.
الهروب من مواجهة المشاكل
لم يكن يعلم أن النفسية لها عضلات تقوى بالمواجهة وتتآكل بالهروب . اعتاد الجبن والخنوع والتجاهل لكافة المشاكل
لم يحللها ليعرف الأسباب الجذرية ليقتلعها سريعا وتبدء حياته في انبات الزهور .. للأسف زرع التجاهل فحصد
ضيق الصدور
المقارنة بالآخرين
هناك شخص واحد فقط مسموح للإنسان أن يقارن ذاته به وهو نفسه فقط في فترة سابقة، بينما هو تربى على
مقارنة درجاته بأبناء الخال ومقارنة سلوكه بأبناء العم يقارن راتبه بمن في مثل سنه ويقارن جمال زوجته
بالأخريات وكأنها من ممتلكاته التي تستحق المقارنة , مقارنة دائما تأخذه في دوامه من الحزن وعدم تقدير
الذات والشعور بالدونية القاتلة .
التشكيك بالذات
كلما أتته فرصة لتقدير ذاته يحطمها بالدونية وصغر النفس. يخبرها دائما لن تستطيعي، لن تنجحي، لن يقدرك أحد.
يبني صورته الذهنية السلبية بيديه وينتظر منها النجاح. كيف له أن ينتظر الفلاح من ذات تم وأدها بوحشية في المهد.
التعلق بالماضي
يخطو خطوة ويترك القدم الأخرى متشبثة بالماضي يخنقها الحنين لدفء العائلة والشعور بالراحة والتدليل الأسري
حيثما يقارن صراعات العمل بهدوء المنزل مشقة النجاح براحة البال في طفولته البريئة التي قتلت باللهث وراء
التميز والجري نحو المراتب الأولى.
تعميم السلبية
خدعة يبرمج بها الإنسان عقله ليخدر ضميره
الجميع فاسدون لا أستثني أحدا
كل المديرون ظالمون
جميع الموظفون مرتشون
عندما تنعت الجميع بالسلبية تبرر أخطائك وقتما تقع فيها ولا تفكر أن تقوم من هذه السقطات أبدا. فلماذا عناء القيام
فالجميع بالقاع متسخون
تعدد المهام
ظن أن من يجمع بين عشر مهارات أفضل من ذو المهارة الواحدة، ولكنه غفل أن الجدوى في الكيف وليس الكم
ما مدى تعمقه وتمكنه من كل مهاره وكيف لهذه المهارات تأثير سلبي في التقصير في حياته الاجتماعية التي لن
تصح معيشته بدونها
توقع الكثير من الآخرين
يتوجع الإنسان وتزداد صدمته عندما يخالف الآخرون توقعاته يعتقد أنهم سيعاملونه بنفس المعاملة وبنفس العقلية
الفعل يقابله رد الفعل ولكن الأشخاص ليسوا دائما هكذا كان يجب أن يقدم الخير دون أن يتوقع أن يكافئ بغير ذلك
فالحياة في كثير من الأحيان غير عادلة
الخجل المفرط
هناك خجل طبيعي لا غبار عليه متعلق بالأدب والحياء وهذا يختلف كليا عن وحش قاتل يسمى بالخجل المرضي
الذي يقيدك في المطالبة بحقوقك يجمد حركتك ويشل خطاك مانعة إياها من التقدم إلى الأمام
كان وحده يعلم الفرق بينهم، ولكنه اختار المرض
التحكم بما لا يمكن السيطرة عليه
شعور أنك تستطيع كل شيء ولا يصعب عليك أمر شعور مدمر لأنك به تنسف محدوديتك. فأنت ترس في عالم
كبير به ظواهر كونية تفوق قدرتك فتقبل كونك عاجز أمام الكثير من الأشياء لتحيا راضيا عن نفسك المحدودة
الإمكانيات
السعي إلى المثالية
جريك وراء المثالية وتحقيقها يهلك صحتك الجسدية والنفسية تقوم بكافة المهام ولا تفوض غيرك وكأنك تنتحر
يوميا مع كل مهمة جديدة لأنك لا تقبل إلا بالكمال لجوعك الشديد للإطراء والمديح
خلق آلة لا تنام ولا تستريح هي مهمتك اليومية حتى تحقق الكمال الذي يتوج على أشلاء حياتك
في النهاية , محكمة الحياة لا تعدم ميت، ولكنها تمنح فرصة جديدة للحياة
عش وأنت مقدر لذاتك عارفا لما يميزها عن الآخرين ولا تتوقع منهم الكثير فتندم. دلل نفسك بكلمات التشجيع
وأنصت لأوجاعها ولا تقسوا عليها. أشبعها حبا وأعرف قدراتها ولا تحملها بما لا طاقة لها به ولا تجعلها تجري
في سباق المثالية فلا تسابق إلا ذاتك
محكمة الحياة ترفع الجلية
يتبع ….